6 يوم
حبٌّ لا تبتلعه المقابر





لا تبحث عني في الأماكن التي ضحكنا فيها،

بل في اللحظات التي صمتُّ فيها طويلاً، ونظرتُ إليك كأنك العالم.

حين يرهقك الحنين، لا تُطارد صورتي، بل أغلق عينيك… 

ستجدني هناك، حيث تركتُ جزءًا مني فيك.

لا تقلق إن شعرت بثقلي في قلبك بعد رحيلي،

أنا لم أذهب تمامًا…

أنا هنا، في الذكرى، في الدعاء، في الأغاني القديمة، 

في الروائح، في الليل، فيك.

وإن سألك أحدهم عني، لا تخبرهم أنني رحلت…

بل قل: “كانت تحبني حتى آخر نفس،

 حتى حين لم تستطع أن تقول ذلك.”

قل لهم إنني أحببتك في الخفاء، بالصبر، 

بالخوف، بالرجاء.

أوصيك بقلبك… لا تتركه وحيدًا بعدي.

دلّله كما كنتُ أفعل، واسقِه بالحب، وامشِ به نحو الضوء.

لا تكن قاسيًا عليه لأنني لم أعد،

بل كن ليّنًا، ففي كل ليونة منك… حياة كنت أتمنّاها لك.

لا تُسرف في البكاء عليّ، لكن لا تكتم دمعتك إن فاضت…

دعها تنزل، وقل: “كانت تستحق هذا الحزن النبيل.”

ثم امسحها، وواصل الحياة كما كنت أرجو لك، قويًا، نقيًا، حقيقيًا.

تذكّرني لا كحزن، بل كحبٍّ صادق، كظلٍّ يسير معك، 

حتى وإن غاب الجسد.

لا تطردني من ذاكرتك، بل اجعلني صوتًا خافتًا، 

يخبرك أنك كنت يومًا محبوبًا بعمقٍ لا يُشبهه شيء.

وإن أتتك لحظة ضعف، فحدّثني كما كنت تفعل،

لن أردّ، لكن الله يسمع، وأنا معه.

وإن وقفتَ يومًا بين الماضي والغد، فاختر الحياة…

عشها كما لو أنني أنظر إليك من بعيد، وأبتسم لأنك بخير.

أحبك، حبٌّ لا تبتلعه المقابر، ولا يغسله الغياب،

حبٌّ يظل معك… ما حييت.

فابقَ كما أنت… فبك، كنت أعيش، وبك بعدي، أحب أن أُذكر.

وإن أحببت من بعدي، فافعل بلا ذنب.

لا أريد لقلبك أن يكون حبيس الغياب،

 ولا أن تكون ذكراي قيدًا، 

بل جسرًا نحو حياة تليق بك.

لكن إن أحببت، فليكن حبًّا يشبهك، لا حبًا يهرب من صورتي.

ولا تضع أحدًا في مكاني، امنحهم مكانهم،

 لأن لي مقعدًا في قلبك لا يُشبه سواه.

إن طال بك العمر وأصبحتَ يومًا رجلًا يُصافح الشيب، تذكّرني…

تذكّر أنني تمنّيت أن أكون معك،

 أن أراك تكبر وتزهر، أشاركك فنجان قهوة ونسمة المساء.

وإن سألك أحدهم: “من كانت؟”

فقل فقط: “كانت بيني وبين الحياة، وكانت الحياة.”

الآن أترك لك روحي في هذه الكلمات، ووصيتي ليست أن تتذكّرني فقط،

بل أن تحيا كما كنتُ أراك: صامدًا، كريم القلب، لا تنحني لشيء.

وإن مررتَ بي يومًا في حلم، ابتسم لي…

فأنا هناك، حيث لا وجع، ولا فراق، ولا زمن.

إن أمسكت هذه الحروف في ساعة سكون،

لا تقل: “انتهت.”

 بل قل: “ما زالت تُحبني حتى من هناك.”

أعرفك…

 عيناك ستمتلئ، وقلبك سيُضيء بوجع يشبه الحنين.

لا تكتم شيئًا لأجلي، ابكِ إن أردت، 

تحدّث إليّ بصوتٍ خافت، وضع هذه الوصية على صدرك.

وإن احتجتَ لصوتي، فاقرأني.

وإن أردتَ أن تطمئن،

 فاعلم أنّ دعائي لك لا يزال قائمًا في ملكوتٍ لا يخبو.

لا تخف من الغياب… فأنا لم أذهب بعيدًا،

أنا حيث يسكن من أحبّ بصدق: فيك، حولك، وفي صلاتك.

أوصيك بقلبي، وقد وضعتك فيه أمانة…

فاحفظه، كما حفظتك يومًا في كل نبضٍ لي.

أضف تعليقاََ