رجل مجنون يجوب أرجاء ديستوبيا
رجلٌ مجنون يجُوب ارجاء مدِينة دستُوبيا، اطلب من المسؤولين الفّاسدين الغير مُخلصين ان يردعُوه!
شُوهد شخصٌ اثار ريبة ابنَاء حيّ النّسمات الغلِيظة، بعد ان شاهده الجميع و هو ينظُر الى جدارٍ ابيض عليه بصمات احذيّة بمقاسات مُختلفة و هو يَضحك بهستِيريّة، حتّى ظنّ بعض الشهُود على الحادثة ان هذا الشَخص كادت انفاسه تنقطع و يمُوت و قَال بعضهم انهُ قد تعاطى مُخدّر جديد لم ينتشِر بعد، و بعد سَاعة من هذا المَوقف السخيف تمّ القَبض عليهِ.
فِي قِسم الشُرطة تمّ استجوابه، كان لا يزال يضحَك بلا توقّف مما اثار هذا غضب المُحققين، حتّى تجرأ المُحقق “غريبولِيزا” على صَفعه، و قد صرّح المُحقق في بيان صحفي: ان هذه الصَفعة البطُوليّة كانت لحماية هذا الشَخص المجنُون من نفسِه، في ديستُوبيا لا يموت المرء و هو يضحك، و هذا ما قامت عليهِ هذه المدينة الشّاحبة الصدئة، فحوّلناه بموجب هذا الأمر المُتمرّد الذي اقترفه الى قسم التحقيق في أمن الدولَة بعد ان توصّلنا لحلٍ يوقف ضحكاته الهستيرية.
و كما تعلم عزيزي القارئ جريدتنا هذه مميزَة، و دائمًا ما تطرح لك تفاصيل حصريّة سنسرّب جزءً من التحقيق مع هذا المُختل الذي صار شهيرًا بإسم: الضاحك المُتمرّد.
تمّ فحص المُتهَم اولًا ان كان دمّه نقيًا و لا تجري في بين كريات دمّه مخدرَات تُدغدغ جسده، و كان دمّه نقيًا من ايّ مُخدّر، فتمّ تبرئته على الفور من تهمة تعاطي المُخدرات او حيازتها، و ايضًا تركُوه لأيّام يتحدّث مع طبيب نفسِي، كان شخص هادئ، شخص طبيعي جدًا، حتّى انه كان مثقّفًا الى حدٍ ما، واعِي جدًا، قال الطبيب النفسي عنه: انّ وعيه جعلني اظُن ان لديهِ عيونٌ اخرى في جسده، ظننت ان لديْه عين في صدره، و عين في مُنتصف ظهره، و عين على بطن كل قدم من اقدامه، و شعرت انه ان بكى فكُل جزء من جسده النحيل سوف يبكي، و لكن ظلّت هناك احجيَة لم اجد لها حلًا في اعماقِه، و كلما سألته عن سبب ضحكه ذاك، ندّت على وجهه ابتسامة باردة جدًا و سمح للصمْت ان يخيّم في فمه.
على طاولة التحقِيق سأله المُحقق عن سبب ضحكاته. ظلّ صامتًا و ارتسمت على وجهه ابتسامة عريضة، ضرب المُحقق قبضته بكُل ما يملك من قوة على الطاولة، و صرخ في وجهه: لماذا كُنت تضحك اجبنِي! انا هنا اتحدّث معك، لست زوجتك لتتجاهلني بهذه الطرِيقة. اختَار الصّمت مرة اخرى و لكن هذه المرّة كان وجهه المُبتسم المُستفز يذبُل في خلال دقائق، شعر المُحقق انها دقائق لا تمُر، و اخافه هذا الضّاحك الذي يشيخ امامه فجأة في خلال دقائق فقط.
بلعَ الضّاحِك ريقُه ثُم قال: يقُول الجميع عنّي مُختل و مُتمرّد لأني كُنت اضحَك! و انا لم اكُن اضحك، انا كُنت عالق. رُبما رأسك الملفوفة ككرة صوف بسلك الشُرطة و القصص البُوليسيّة سيظن لوهلة انّي كُنت اضحك لأني رأيت شيء ماديّ يُمكن مسكه باليدين كدليل، بينما انا كُنت اضحك لأني عِشت شيء، و لا اسمي ذلك ضحكًا، و ربما تفكّر ايضًا في بصمات تلك الأحذيّة على الحائط، و انّي كنت اضحك و اقول، كيف يمشي النّاس في هذه المدينة على الجُدران؟ و لكِن لم اكُن لأعيرها ايّ اهتمام، حتّى اني لا اذكرها، و لكِن رأيت مسرح جريمتي على الشّاشة في قسم الشرطة.
كُنت اضحَك يا سيّدي لأنّي حزين جدًا، نقَل عصفُور مصاب بالحمّى مرضه الى رُوحي، روحي كانت محمومة، حرارتها كانت مرتفعة جدًا، شعرت بتلك الحرارة تدغدغ جسدي بأكمله، كما تعلّم يا سيدِي نحن مجرد منازل شعبيّة طينيّة لارواحنا، نُأثث انفسنا بذكرياتنا، نقعُد على حكاياتنا القديمة عندما تهدأ حياواتنا، و انا حياتي هادئة جدًا، حتى و انتَ تبلع ريقك الآن يا سيّدي اسمع اشياءً انت لا تسمعها، ارى تفّاحة آدم البارزة على عنقك و هي تُنزل و تضع قلقك منّي في صدرك و تصعد لتشُد ملامحك الصَلبة، هذا عملٌ مضنٍ انا لا استحقه، انا اسخَف من ان تفعل هذا لأجلِي صدّقني.
اضحَك لأن حكاياتي القدِيمة يا سيّدي مُضحكة، امّي تدغدغ خصري، اوّل نُكتة من اول صديق حظيت به، اوّل حبيبة و روحها المُبهجة، مشَاكلي مع كنتاكي، اوّل سقوط لِي على مؤخرتي في المجمّع التجاري.. و اشياء كهذه اراها كُلما كنت حزينًا و عندما تصمت هذه الحياة ولا تحدّثني. كيف لِي ان لا اضحك و هلوسات روحي الحارّة تجعل هذه الأشياء تتموّج كالسراب، تخيّل ان تشاهد صديقك الذي يقول لكَ نكتة و هو يتموّج كأنه يرقص! و ادمج هذا التموّج على كل حكاياتي القديمة حتّى انت يا سيدِي ستضحك،
أليس هذا امرًا مُضحكا؟! اخبرني ارجوك.
تمّ الأفراج بعد شهر من التحقيق عن هذا الشّخص و قد تبيّن لي من مصادري الخاصّة ان هذا هو ابن محافِظ ديستوبيا العاق، و هذا هو الفسَاد الذي نرجو له سطوعٌ دائم على اراضي ديستوبيا النتنة و هكذا نرجو ان تكون الحياة، حياة وسخة، وسخة جدًا.